arablog.org

“من مذكرات فتاة المصنع”

بعد يوم عمل يبدأ من الخامسة فجراً، وينتهي بالخامسة والنصف مساءاً، بداية من الاستيقاظ الغير كامل لعدم كفاية النوم بالأمس، وعدم كفاية الوقت لتناول كوب من القهوة الصباحية علي مهل، واستنشاق بعض من نسيم الصبح، للقدرة على استقبال اليوم الجديد، وإنما كل شيء علي عجل، وكل شيء سريع، حيث لا وقت لأي شيء سوي التجهز للحاق بالحافلة التي تقلها إلي مكان العمل والذي يبعد عن مكان سكنها بزمن حوالي ساعة ونصف، وبمجرد أن تغادر الحافلة يبدأ المشهد ببوابة كبيرة كل شيء بعد الدخول من هذه البوابة، يشبه الأشياء الأدمية بتفاصيل صغيرة، حتى الآدميين الذين يعملوا في هذا المكان أيضاً يحملوا من هيئات البني آدميين قليلاً، ولكن بعدما أضاع الشقاء، والفقر، والبؤس، والجهل الكثير من معالم الآدمية فيهم !
التعامل بين هؤلاء يتسم باللامبالاة إلى حد بعيد، فما يبيتوا فيه يصبحوا فيه، فعملية الإنتاج القائم عليها هذا المكان واحدة لا تتغير يوم عن يوم، ولا شهر عن شهر، ولا حتى سنة عن أخري، فهي دائرة مغلقة، يدور فيها كل هؤلاء العاملين، والأجور لا تضاهي ضياع كل ذلك من العمر، لحساب صاحب ذلك المكان. ولكن ما باليد حيلة لهؤلاء، مع ظروف اقتصادية لبلدهم طاحنة، وكون أحدهم حصل على فرصة عمل، فعليه أن يحافظ عليها لأنها في مثل ذلك البلد هي نعمة قد حرم منها غيره!
حتى وإن كان ما يقدمه الموظف للعمل من مجهود لا يتناسب مع أجره، ولا مع ما يحمله من مؤهلات، فالكل هناك سواء مع اختلاف ألوان ما يرتدوه من زي للعمل، ومع اختلاف الألقاب، فحامل المؤهل له لقب ينادي به فقط حتى لا يتحسر على ما اضاع من عمره ليحصل على هذا المؤهل، ولكن الأجر تقريباً متقارب لكل العاملين هناك، اعترافاً منهم بأن الكل متساوي بشكل فعلي، بغض النظر عن اللقب واللون الذي يرتديه حامل المؤهل، لأن بالنهاية الكل مشترك لإنتاج هذا المنتج!
أذكر أني وبصدد مروري بإحدى الغرف التي تحوي (أصلحكم الله) بيت راحة والذي قد فرش أمامه مكان ليجلس عليه العاملين وبالأخص حملة المؤهلات، لتناول طعام الإفطار في ذلك المكان (والذي يعتبر امتيازا، يحسدون عليه من غيرهم)! الذي يأتوا به من مساكنهم، حتى شربة الماء لابد من الإتيان بها من المسكن، والا أصاب معدتك الاضطرابات، لأنها تحمل الكثير من الترسبات! وقد لمحت من الزجاج الخلفي أشجار ونخلات، وجدتني وقد تسمرت عيني، وفجأة شعرت بنشوى، وكأن أخيراً وجدت شيء في هذا المكان الذي يحمل من الشقاء ما يحمل، شيء من الحياة يتحرك مع الهواء بسلاسة، وكأنه ترك عوده لحركة الهواء، مستسلماً رافعاً الراية البيضاء، وترك للحياة حرية التصرف بأحواله، بعدما اجهده الصمود كثيراً!

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *